حوار مع الدنيــــا..؟؟؟..
أنتقلت من مكان إلى مكان هروباً من الدنيا
وحاولت أن أبتعد عنها فلم أستطع
غيرت وظيفتى ، وغيرت منزلى، وغيرت مجتمعى،
وغيرت بلدى ، وغيرت كل شيء فى حياتى،
ومازلت الدنيا فى قلبى وهي محل فتنتى،
وتبين لى أن صفاتها وعلاماتها لا تتغير بتغير الزمان ولا المكان
، فهى هى كما هى
وكانت أمنيتى أن تتمثل الدنيا أمامى حتى أصارحها
فأقتلها فأكون قد تخلصت منها وأخرجتها من قلبى
وبينما كنت أجلس وحدىفى غرفتى، تمثلت الدنيا أمامى
فقالت الدنيا : ماذا تريد ؟ يا عبد الله ؟ ها أنا ذا أمامك
قلت وأنا متأسف :إنه ليحزننى أننى أحبك وأهواكى ولا أستطيع أن أتركك
ردت عليه الدنيا فقالت: إن هذا لشعور طبيعى ومن أدعى أنه لا يحبنى
فهو كاذب، فأنا من خلق الله تعالى، وأنا محبوبة إلى النفوس
فقال عبدالله : وكيف تقولين إن هذا شعور طبيعى ؟
ردت الدنيا وقالت: نعم إنه لشعور طبيعى،
ولكن الخطأ الذى يقع فيه أكثر الناس أنهم
يقدمون أمرى على أمر الآخرة
فقال لها عبدالله : وهل أنا منهم ؟
فردت عليه الدنيا وقالت: نعم ولكن يوجد فيك صفات طيبة
فقال لها عبدالله :وكيف أعرف حقيقتك ؟
فقالت الدنيا : من قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
"الدنيا حلوة خضرة"
فقد وصفنى النبى صلى الله عليه وسلم بأنى حلوة خضرة
ولكنى بالنسبة للمؤمن سجن له لقوله عليه الصلاة والسلام
" الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر "
فرد عبدالله : ولكنى أعرف بعض المؤمنين يعيشون في نعيم ورفاهية ؟
فردت عليه الدنيا وقالت : ليس المراد بالسجن هو السجن
الحديدى الذى تفهمه وإنما هو التقيد بما أمر الله ،
وما السجن إلا قيد ، ولهذا قال محمد بن السماك – رحمه الله
"يا ابن آدم أنت في حبس منذ كنت"
أنت محبوس فى الصلب، ثم فى البطن، ثم فى القماط
ثم في المكتب ثم تصير محبوساً في الكد على العيال
فأطلب لنفسك الراحة بعد الموت حتى لا تكون فى الحبس أيضاً
فقال عبدالله : ياالله إنه لمعنى أدبى جميل ،
لقد فهمت الآن و لكن ما سبب تسميتك بالدنيا ؟
فقالت الدنيا : لو علم الناس معنى أسمى لما فتنتهم زينتى
إن اسمي له معنيان أثنان
من الدنو : أى قريبة إلى الزوال والأنتهاء
ومن الدناءة : أى القبح إذا ما قارنتنى بالآخرة
فرد عليها عبدالله : وكيف أتعامل معك حتى لا أفتن ؟
فردت عليه الدنيا : إن هذا السؤال خطير لتجعلنى أبوح بسر
من أسرارى لأنى أصطاد الناس أحياناً بالأموال
وأحياناً بالنساء، وأحياناً بالمناصب وكل ذلك من زينتى ،
والزينة من صفاتها أنها مؤقتة وهل رأيت يوماً زينة
عرس دائمة ؟ أو زينة عروس دائمة ؟
فحزن عبدالله بشدة وقال : يا دنيا أجيبى عن سؤالى ولا تبتعدى ،
فكيف أتعامل معك ولا أفتن ؟
فضحكت له الدنيا وقالت : مهلاً يا صاحبى فلا تتعجل على
ثم قالت: أهم صفة ينبغى أن تتوفر في الذى يتعامل معى
هى اليقظة والفطانة فأنا حاضرة الملذات، وحاضرة الشهوات،
فمن جعلنى معبراً للآخرة فهو الناجى
ومن جعلنى مستقراً فهو الخاسر،
فأنا دار بلاغ ولست بدار متاع
وقد قال الحسن البصرى- رحمه الله : إياكم وما شغل الدنيا ،
فإن الدنيا كثيرة الأشغال لا يفتح رجل على نفسه باب شغل
إلا أوشك ذلك الباب أن يفتح عليه عشرة أبواب
فقال عبدالله : إذن سوف أعتزلك تماماً حتى أنجو
فقالت الدنيا : ليس هذا الذى أردت أن أقوله لك
ولكن ينبغى أن تتعامل معى ولكن بحذر شديد
وكلما فتح لك باب من الدنيا أفتح أنت باباً للآخرة
حتى لا تنسى نصيبك منها، وتعيش متزناً كما أمرك
الله تبارك تعالى
فقال عبدالله : ولكننى أخاف
فقالت الدنيا : لا تخف وأفهم كيف تتعامل مع زينتى
ولا تكن كما قال أبن مسعود – رضي الله عنه
فرد عبدالله : وماذا قال أبن مسعود – رضي الله عنه ؟
ردت عليه الدنيا وقالت: قال لا ألفين أحدكم جيفة ليل، قطرب نهار
فقال عبدالله : ومامعنى قطرب نهار؟
فقال له الدنيا : أى هى الدويبة التى تجلس هنا ساعة
وهنا ساعة فلا تستريح نهارها سعياً وهكذا بعض الناس
يتحرك فى أمر دنياه ليل نهار ولا يفكر في أمر الآخرة
فإبن آدم مسكين لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة
فقال لها عبدالله : وبماذا توصيننى ؟
فقالت له الدنيا : أوصيك بتذكر قول الله تعالى دائماً
وأضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء
فختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح
وكان الله على كل شيء مقتدراً
وإن كنت تحذرنى مرة فأحذرنى بعد اليوم ألف مرة
فقال لها عبدالله : لا أظن أنك ستفتنينى بعدما تصارحنا ؟
ضحكت الدنيا وقالت : قالوا للغراب مالك تسرق الصابون ؟
فقال الغراب: الأذى طبعى ، وأنا أقول لك إن الفتنة طبعى
فأحذر أن تكون من عشاق الدنيا
وأحذر أن تكون جيفة ليل قطرب نهار، ثم أختفت الدنيا فجأة
فأخذ عبدالله ينادى ...يا دنيا... يا دينا... فلم يجبه أحد
ثم طأطأ رأسه وقال : الحمد لله الذى وفقنى لفهم حقيقة الدنيا ..
ثم أنشد
إذا كنـت أعلــم علماً يقينـاً .. بأن جميع حياتى كساعة
فلـــم لا أكــون ضنينـاً بهـا .. وأجعلها في صلاح وطاعة