سيدنا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه
هو أبو عمارة وأبو يعلي حمزة بن عبد المطلب بن هاشم سيد الشهداء - أسد الله وأسد رسول الله وخير أعمام النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة (أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب). وأمه هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة وهي بنت عم السيدة آمنة بنت وهب أم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
مولده رضي الله عنه
ولد سيدنا حمزة رضي الله عنه قبل عام الفيل بنحو سنتين أو أربع وأسلم ما بين السنة الثانية أو السادسة من البعثة واستشهد في غزوة أحد في شوال سنة ثلاث من الهجرة وعاش نحو سبعة أو تسعة وخمسون سنة.
شجاعته ومكانته
كان له من القوة والشجاعة وعزة النفس وإباء الضيم نصيب وافر رفع شأنه وأعلى مكانه فكان أعز فتيان قريش وأشدهم شكيمة وأقواهم عزيمة وأعظمهم في النفوس محبة ومهابة. فكان صاحب قنص يخرج له، ثم يرجع من قنصه فيطوف الكعبة قبل أن يصل إلى أهله ولا يمر على نادٍ من قريش إلا وقف وسلم، وتحدث معهم فأنسوا به وأنس بهم. كانت ثقة الرسول صلى الله عليه وسلم به عظيمة، فعقد له أول لواء في الإسلام وأقامه على رأس أول بعث إلى سِيف البحر ساحل البحر في ثلاثين راكباً من المهاجرين ليأخذ الطريق على أبي جهل بن هشام وكان في ثلاثمائة راكب من أهل مكة. وعقد له أيضاً اللواء في غزوة بني قينقاع (من اليهود).
ولسيدنا حمزة رضي الله عنه في غزوة بدر مقام مشهور وجهاد مشكور فقد كان قتلى المشركين فيها سبعين حيث انفرد سيدنا حمزة بقتل خمسة من رؤوسهم وشارك في قتل مثلهم وقد شهد له المشركون بهذه الشجاعة. قال أمية بن خلف المشرك في أثناء القتال لعبد الرحمن بن عوف: يا عبد الإله من الرجل منكم المعلَم بريشة نعامة في صدره ؟ قال: ذاك حمزة بن عبد المطلب. قال أمية: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل.
سبب إسلام سيدنا حمزة
رضي الله عنه
مر أبو جهل برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا فآذاه وشتمه، ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعييف لشأنه، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل رجع إلى بيته وانصرف أبو جهل إلى نادٍ من قريش عند الكعبة فجلس معهم فخوراً بما فعل، وسمعت مولاة لعبد الله بن جدعان وهي في مسكنها سباب أبي جهل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلبث سيدنا حمزة رضي الله عنه أن أقبل من صيدٍ له متقلداً قوسه، فأخبرته المولاة بإيذاء أبي جهل لابن أخيه فامتلأ غضباً وأسرع إلى الكعبة ليوقع بأبي جهل فرآه جالساً بين القوم فأقبل نحوهم وضربه بالقوس على رأسه فشجَّه شجةً منكرة وقال: أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول ؟ فرُدّ ذلك عليّ إن استطعت، فقامت رجال من بني مخزوم لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فإني والله قد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً وأعلن سيدنا حمزة رضي الله عنه إسلامه
وعاهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على نصرته والتضحية في سبيل الله حتى النهاية.
أثر إسلام سيدنا حمزة رضي الله عنه
على الدعوة الإسلامية
كان له رضي الله عنه همة عالية وشجاعة نادرة ومنزلة سامية وكان لإسلامه أثر بعيد ووقع شديد لدى المشركين والمسلمين على السواء، أما عند المشركين فألم أليم وحزن مقيم وأما عند المسلمين ففرح عام وسرور تام فقد عز النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وامتنعوا وبه وكَفَّ المشركون عن بعض ما كانوا ينالون منهم وقد شاء الله العظيم أن يمد قوة الإسلام سيدنا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ثم يزيد هذه القوة بإسلام سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد إسلام سيدنا حمزة بقليل.
استشهاد سيدنا حمزة
رضي الله عنه
قاتل حمزة يوم (أحد) قتالاً مأثوراً ودافع دفاعاً مشكوراً فقد قتل ثلاثة من كبار المشركين منهم - اثنان من حملة اللواء ثم استشهد رضي الله عنه بحربة قذفه بها وحشي بن حرب خلسةً بعد أن أغرته هند بنت عتبة بالأعطيات ووعده سيده بالعتق إن هو قتل حمزة. قال وحشي: كنت غلاماً لجبير بن مطعم وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى (أحد) قال لي جبير: إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق، قال وحشي: فخرجت مع الناس وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما أخطئ بها شيئاً فلما التقى الجمعان، خرجت أنظر حمزة وأتبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، فرأيته يهدُّ الناس بسيفه هدَّاً ما يقوم له شيء فوالله أني لأتهيأ له أريده وأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني، إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فضربه حمزة ضربة قاضية سريعة كأنما أخطأ رأسه وهززت حربتي ودفعتها إليه، فوقعت في أسفل بطنه وخرجت من بين رجليه فأقبل نحوي فانقلب فوقع، وأمهلته حتى مات، فأخذت حربتي وتنحيت إلى العسكر ولم يكن لي بغيره حاجة فإنما قتلته لأعتق.
تمثيل هند بنت عتبة بسيدنا حمزة رضي الله عنه
مثلت هند بنت عتبة والنسوة اللاتي معها بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، جدعن الآذان والأنوف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنوفهم خلاخيل وقلائد، وأعطت وحشياً خلاخيلها وقلائدها وقرطتها وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تبتلعها فطرحتها، فعلت ذلك إطفاءاً للنار التي أشعلها بين جوانحها من قتل أبيها وعمها وأخيها يوم بدر. وبلغ عن شناعة ما فعلت من الفظائع أن تبرأ أبوسفيان من تبعة ذلك وأعلن أنه لم يأمر به وإن كان قد اشترك فيه. حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة بعد انتهاء القتال في غزوة أحد، ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس عمه حمزة فوجده ببطن الوادي، قد بقر بطنه عن كبده ومثل به (جدع أنفه وأذناه) فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شيء لم ينظر إلى أوجع منه لقلبه، فقال: (رحمة الله عليك، لقد كنت فعولاً للخيـر وصولاً للرحم، أما والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك). أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ولما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل قالوا: والله لئن أظفرنا الله بهم يوماً لنمثلن بهم مثلة لم يمثِلها أحد من العرب، فنزل قوله تعالى في آخر سورة النحل: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين، واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}. فصبر النبي صلى الله عليه وسلم، وعدل عما أراد وكفّر عن يمينه، ونهى عن المثلة.
وصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم على شهداء أحد فصلَّى على حمزة رضي الله عنه أوَّلا ثمَّ كان يؤتى بالشهيد فيوضع إلى جانب حمزة فيصلي عليهما معاً حتَّى صلَّى عليه سبعين مرَّة.
وكانت السيدة فاطمة رضي الله عنها شديدة الحبِّ لسيدنا حمزة فبكت عليه بكاءً شديداً وكانت تزور قبره كلَّ جمعة وتبكي عنده.
وحشى يروى كيف قتل حمزة
عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، قَالَ:
خَرَجْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ غَازِيَيْنِ، فَمَرَرْنَا بِحِمْصَ، وَكَانَ وَحْشِيٌّ بِهَا.
فَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَلْ لَكَ أَنْ نَسْأَلَ وَحْشِيّاً كَيْفَ قَتَلَ حَمْزَةَ؟
فَخَرَجْنَا نُرِيْدُهُ، فَسَأَلْنَا عَنْهُ فَأَتَيْنَاهُ،.
قُلْنَا: إِنَّا أَتَيْنَا لِتُحَدِّثَنَا كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟
قَالَ: سَأُحَدِّثُكُمَا بِمَا حَدَّثْتُ بِهِ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
كُنْتُ عَبْدَ جُبَيْرِ بنِ مُطْعَمٍ، وَكَانَ عَمُّهُ طُعَيْمَةُ بنُ عَدِيٍّ قُتِلَ يَوْم بَدْرٍ.
فَقَالَ لِي: إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ فَأَنْتَ حُرٌّ.
وَكُنْتُ صَاحِبَ حَرْبَةٍ أَرْمِي، قَلَّمَا أُخْطِئُ بِهَا، فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، فَلَمَّا الْتَقَوْا أَخَذْتُ حَرْبَتِي، وَخَرَجْتُ أَنْظُرُ حَمْزَةَ، حَتَّى رَأَيْتُهُ فِي عُرْضِ النَّاسِ مِثْلَ الجَمَلِ الأَوْرَقِ، يَهُدُّ النَّاسَ بِسَيْفِهِ هَدّاً، مَا يُلِيْقُ شَيْئاً، فَوَاللهِ إِنِّي لأَتَهَيَّأُ لَهُ إِذْ تَقَدَّمَنِي إِلَيْهِ سِبَاعُ بنُ عَبْدِ العُزَّى الخُزَاعِيُّ.
فَلَمَّا رَآهُ حَمْزَةُ، قَالَ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا ابْنَ مُقَطِّعَةِ البُظُوْرِ.
ثُمَّ ضَرَبَهُ حَمْزَةُ، فَوَاللهِ لَكَأَنَّ مَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئاً قَطُّ كَانَ أَسْرَعَ مِنْ سُقُوْطِ رَأْسِهِ.
فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي، حَتَّى إِذَا رَضِيْتُ عَنْهَا، دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِي ثُنَّتِهِ، حَتَّى خَرَجَتْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، فَوَقَعَ، فَذَهَبَ لِيَنُوْءَ، فَغُلِبَ، فَتَرَكْتُهُ وَإِيَّاهَا، حَتَّى إِذَا مَاتَ قُمْتُ إِلَيْهِ، فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى العَسْكَرِ، فَقَعَدْتُ فِيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي حَاجَةٌ بِغَيْرِهِ.
فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ هَرَبْتُ إِلَى الطَّائِفِ، فَلَمَّا خَرَجَ وَفْدُ الطَّائِفِ لِيُسْلِمُوا، ضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَقُلْتُ أَلْحَقُ بِالشَّامِ، أَوِ اليَمَنِ، أَوْ بَعْضِ البِلاَدِ، فَوَاللهِ إِنِّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمِّي، إِذْ قَالَ رَجُلٌ:
وَاللهِ إِنْ يَقْتُلُ مُحَمَّدٌ أَحَداً دَخَلَ فِي دِيْنِهِ.
فَخَرَجْتُ، حَتَّى قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (وَحْشِيٌّ؟).
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: (اجْلِسْ، فَحَدِّثْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ).
فَحَدَّثْتُهُ كَمَا أُحَدِّثُكُمَا.
فَقَالَ: (وَيْحَكَ! غَيِّبْ عَنِّي وَجْهَكَ، فَلاَ أَرَيَنَّكَ).
فَكُنْتُ أَتَنَكَّبُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ كَانَ، حَتَّى قُبِضَ.
فَلَمَّا خَرَجَ المُسْلِمُوْنَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، خَرَجتُ مَعَهُم بِحَرْبَتِي الَّتِي قَتَلْتُ بِهَا حَمْزَةَ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ، نَظَرْتُ إِلَى مُسَيْلِمَةَ وَفِي يَدِهِ السَّيْفُ، فَوَاللهِ مَا أَعْرِفُهُ، وَإِذَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُرِيْدهُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، فَكِلاَنَا يَتَهَيَّأُ لَهُ.
حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي، دَفَعْتُ عَلَيْهِ حَرْبَتِي، فَوَقَعَتْ فِيْهِ، وَشَدَّ الأَنْصَارِيُّ عَلَيْهِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، فَرَبُّكَ أَعْلَمُ أَيُّنَا قَتَلَهُ.
فَإِنْ أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَدْ قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَتَلْتُ شَرَّ النَّاسِ.
حمزة لا بواكى له !!
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَقَفَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حَمْزَةَ، وَقَدْ جُدِعَ، وَمُثِّلَ بِهِ.و بُقِرَ بَطْنُهُ، وَاحْتَمَلَ وَحْشِيٌّ كَبِدَهُ إِلَى هِنْدٍ فِي نَذْرٍ نَذَرَتْهُ حِيْنَ قُتِلَ أَبَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ،
فَقَالَ: (لَوْلاَ أَنْ تَجِدَ صَفِيَّةُ فِي نَفْسِهَا، لَتَرَكتُهُ حَتَّى يَحْشُرَهُ اللهُ مِنْ بُطُوْنِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ).
وَكَانَ يَجْمَعُ الثَّلاَثَةَ فِي قَبْرٍ، وَالاثْنَيْنِ، فَيَسْأَلُ: أَيُّهُمَا أَكْثَرُ قُرْآناً؟ فَيُقَدِّمُهُ فِي اللَّحْدِ.
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَئِنْ ظَفِرْتُ بِقُرَيْشٍ، لأُمَثِّلَنَّ بِثَلاَثِيْنَ مِنْهُم).
فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا بِهِ مِنَ الجَزَعِ، قَالُوا:
لَئِنْ ظَفِرْنَا بِهِم، لَنُمَثِّلَنَّ بِهِم مُثْلَةً لَمْ يُمَثِّلْهَا أَحَدٌ مِنَ العَرَبِ بِأَحَدٍ.
فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوْقِبْتُمْ بِهِ}
فَعَفَا رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ، أَقَبْلَتْ صَفِيَّةُ أُخْتُهُ، فَلَقِيَتْ عَلِيّاً وَالزُّبَيْرَ، فَأَرَيَاهَا أَنَّهُمَا لاَ يَدْرِيَانِ.
فَجَاءتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (فَإِنِّي أَخَافُ عَلَى عَقْلِهَا).
فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهَا، وَدَعَا لَهَا، فَاسْتَرْجَعَتْ، وَبَكَتْ.
ثُمَّ جَاءَ، فَقَامَ عَلَيْهِ، وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَقَالَ: (لَوْلاَ جَزَعُ النِّسَاءِ، لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ حَوَاصِلِ الطَّيْرِ، وَبُطُوْنِ السِّبَاعِ).
ثُمَّ أَمَرَ بِالقَتْلَى، فَجَعَلَ يُصَلَّي عَلَيْهِم بِسَبْعِ تَكْبِيْرَاتٍ وَيُرْفَعُوْنَ، وَيَتْرُكُ حَمْزَةَ، ثُمَّ يُجَاءُ بِسَبْعَةٍ، فَيُكَبِّرُ عَلَيْهِم سَبْعاً حَتَّى فَرَغَ مِنْهُم.
لما رَجَعَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ، فَسَمِعَ نِسَاءَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ يَبْكِيْنَ عَلَى هَلْكَاهُنَّ.
فَقَالَ: (لَكِنَّ حَمْزَةَ لاَ بَوَاكِيَ لَهُ).
فَجِئْنَ نِسَاءَ الأَنْصَارِ، فَبَكِيْنَ عَلَى حَمْزَةَ عِنْدَهُ، فَرَقَدَ، فَاسْتَيْقَظَ وَهُنَّ يَبْكِيْنَ.
فَقَالَ: (يَا وَيْحَهُنَّ! أَهُنَّ هَا هُنَا حَتَّى الآنَ، مُرُوْهُنَّ فَلْيَرْجِعْنَ، وَلاَ يَبْكِيْنَ عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ اليَوْمِ).
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَمَّا أُصِيْبَ إِخْوَانُكُم بِأُحُدٍ، جَعَلَ اللهُ أَرْوَاحَهُم فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الجَنَّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيْلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ العَرْشِ.
فَلَمَّا وَجَدُوا طِيْبَ مَأْكَلِهِم وَمَشْرَبِهِم وَمَقِيْلِهِم، قَالُوا:
مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّنَا أَحْيَاءٌ فِي الجَنَّةِ نُرْزَقُ، لِئَلاَّ يَنْكلُوا عِنْدَ الحَرْبِ، وَلاَ يَزْهَدُوا فِي الجِهَادِ؟
قَالَ اللهُ: أَنَا أُبَلِّغُهُم عَنْكُم).
فَأُنْزِلَتْ: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ قُتِلُوا فِي سَبِيْلِ اللهِ أَمْوَاتاً}